أثبتت الاختبارات البسيطة نسبياً لتحليل الحمض النووي للأفراد فاعليتها في مجالات الطب والعدالة الجنائية، فضلاً عن علم الأنساب. إذ بإمكانها رصد الاضطرابات الوراثية، وإدانة أو تبرئة المشتبه بهم جنائياً، ومساعدة الأشخاص على معرفة شجرة عائلاتهم. ولكن خلال السنوات الأخيرة، تبيّن أنّه يُمكن استخدام بيانات الحمض النووي بطرقٍ لم نكُن نتوقعها أو نتمناها. ونتيجةً لذلك، بدأ مزيد من الناس في القلق بشأن ما قد يُصيب معلوماتهم الشخصية الأكثر خصوصية، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
حقائق ربما لم تكن تعرفها عن الحمض النووي DNA
من الصعب بما فيه الكفاية أن تحاول معرفة كيف يُمكن استخدام بيانات الحمض النووي خاصتك الآن، فضلاً عن المستقبل. وعكس رقم حسابك البنكي أو كلمة مرورك التي يُمكن تغييرها، فبمجرد أن يعرف أحدٌ بيانات حمضك النووي لن تجد سبيلاً إلى تغييرها. وهناك أسبابٌ واضحة تدفع شركات مثل شركات التأمين إلى الاهتمام بمكونات جسمك.
وقد نصح الجيش الأمريكي أفراده عام 2020 بعدم الخضوع لاختبارات المستهلكين، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن النتيجة التي تُظهِر مؤشرات مرضٍ بعينه قد لا تكون دقيقة وربما تُعرقل الحياة المهنية. وبياناتك الوراثية قد تكشف معلومات لا ترغب في أن يعرفها الناس، مثل الروابط الأبوية غير المعترف بها. وإن كنت من منتهكي القانون، أو على صلة قرابة- ولو بعيدة- بواحدٍ منهم، فهناك حقيقة أنّ وكالات إنفاذ القانون تعتمد بشكلٍ متزايد على الحمض النووي لحل القضايا الصعبة. كما أن هذه الاختبارات تكشف مجموعتك الإثنية أو العرقية، وهو الأمر الذي يُمكن أن يكون خطيراً في بعض السياقات.
في الصين، أخذت الحكومة عينات الحمض النووي من المواطنين تحت ستار الفحوصات الطبية المجانية، ثم أنشأت قاعدة بيانات وراثية جينومية بملفات نحو 100 مليون شخص، وفقاً لمعهد Australian Strategic Policy Institute البحثي شبه الحكومي. وقال المعهد إن البيانات جُمِعَت من كل المواطنين تقريباً في مقاطعة سنجان، حيث تدعي الصين أنّها تحارب “التشدُّد” بين طائفة الإيغور الإثنية المسلمة، لكنها في الواقع تضطهدها كما أثبتت ذلك تقارير عديدة. وتعرَّض نحو مليون من الإيغور للاحتجاز داخل معسكرات الاعتقال، وفقاً للأمم المتحدة. وحين عرض مسؤولو هونغ كونغ إجراء اختبارات فيروس كورونا على سكان المدينة بالكامل في سبتمبر/أيلول، أُثيرت مخاوف بشأن جمع بيانات الحمض النووي من العينات، لكن السلطات أنكرت ذلك.
من أيضاً يستطيع الوصول إلى بيانات الحمض النووي خاصتي؟
في الاتحاد الأوروبي يُمكن أن تُشارَك بياناتك في بعض الحالات دون موافقتك، من أجل أغراض البحث العلمي التي تصُب في الصالح العام، بشرط أن تكون البيانات مجهولة الهوية، أي مجرّدةً من معلوماتٍ مثل اسمك وتفاصيل الاتصال بك.
وفي الولايات المتحدة من الممكن مشاركة نتائج الاختبارات التي أُجرِيَت في بيئةٍ طبية إذا كانت مجهولة الهوية.
وتلتزم شركات اختبارات الحمض النووي التجاري في الولايات المتحدة أوّلاً بشروط الخدمة خاصتها. وبشكلٍ عام، تُشارك تلك الشركات بيانات الأفراد مع المقاولين الذين يُساعدون في معالجتها، ومع باحثي شركات الأدوية والأكاديميين في حال منحتهم موافقةً إضافية. وتُشارك تلك الشركات عادةً بياناتٍ مجمعة أيضاً.
كيف تستخدم الحكومات بيانات الحمض النووي؟
أبلغت سبعون دولة أنها تحتفظ بقواعد بيانات وطنية للحمض النووي، مما يُساعد في تحديد هوية المشتبه بهم جنائياً وإدانتهم أو تبرئتهم من التهم. وفي السنوات الأخيرة، تجاوزت شرطة الولايات المتحدة حدود قواعد بياناتها الخاصة، لتحل الجرائم بناءً على نتائج اختبارات الحمض النووي للمستهلكين. إذ كانوا يأخذون عينات الحمض النووي من مسرح الجريمة، ويقارنونها بالحمض النووي للأشخاص في قواعد البيانات التجارية، ليتعرّفوا على المشتبه به بين الأقارب.
وتقول غالبية شركات الاختبارات التجارية إنها تطلب مذكرةً من أجل السماح للشرطة باستخدام بيانات العملاء. ولكن في عام 2019، أصدر قاضٍ في فلوريدا مذكرةً تسمح للشرطة بالوصول إلى قاعدة بيانات GEDmatch بالكامل، وهي خدمةٌ مجانية تسمح لهواة الأنساب بتحميل بياناتهم من الشركات الأخرى حتى يعثروا على مزيد من أقاربهم.
ألا تحمي البيانات مجهولة الهوية هويتي؟
ليس بالضرورة، لأن الحمض النووي خاصتك يُحدّد هويتك بطبيعته، فهو رمزٌ فريدٌ من نوعه يخصك وحدك. ولا يجب تخزينه مع اسمك حتى يرتبط بك. إذ أظهرت الأبحاث أنه من الممكن اكتشاف هوية الأشخاص المجهولين الذين شاركوا في الأبحاث الوراثية، عن طريق مراجعة تواريخ ميلادهم وجنسهم ورمزهم البريدي مثلاً على قواعد البيانات المتاحة للعامة.
كما أن قواعد البيانات يسهل اختراقها عموماً، حيث تعرّضت شركة الاختبارات Veritas للاختراق عام 2019، مما كشف معلومات العملاء، لكن الشركة قالت إن البيانات الوراثية ظلّت بأمان.
كيف يمكنني الحفاظ على سرية بيانات الحمض النووي خاصتي؟
ربما قد فات أوان ذلك. فهناك عديد من الأشخاص الذين يمتلكون حمضاً نووياً شبه مطابقٍ لك. لذا إن كان لديك ابن عمٍ ثالث لم تسمع به من قبل، ولكنه قرّر مشاركة الحمض النووي خاصته مع العالم، فلا بُد أن بياناتك قد انتشرت أيضاً. إذ أشارت دراسةٌ إلى أن 2% فقط من الناس بحاجةٍ إلى مشاركة معلوماتهم الوراثية حتى يصير من السهل تحديد هوية جميع البشر تقريباً. ونظراً إلى ضعف آمال الحفاظ على سرية معلوماتنا الوراثية، بدأ الخبراء في الدعوة إلى مزيدٍ من اللوائح التي تضمن عدم إساءة استخدام تلك البيانات.
هل يمكن استخدام بياناتي للتمييز ضدي؟
هناك بعض القيود القانونية هنا. ففي الولايات المتحدة هناك قانون صدر عام 2008 باسم قانون عدم التمييز للمعلومات الوراثية، ويهدف إلى الحماية من التمييز بواسطة أصحاب العمل وبعض شركات التأمين بناءً على البيانات الوراثية.
لكن بعض الثغرات في القانون تعني أنّ مُزوّدي خدمات التأمين على الحياة وضد الإعاقة والتأمينات الصحية طويلة الأجل يستطيعون قانوناً إلزامك بمشاركة بيانات الحمض النووي خاصتك. وبإمكانهم كذلك اتخاذ القرارات بناءً على تلك البيانات، رغم عدم وجود أدلةٍ على حدوث ذلك.
تعليقات
إرسال تعليق