جان مارك بوسمان، هو لاعب خط الوسط لنادي “ساندر دي لييج” البلجيكي، ففي عام 1990 كان بوسمان يبحث عن نادٍ جديد للانتقال له بعد أن انتهى عقده مع النادي البلجيكي، وكان يأمل بالانضمام إلى نادي “دنكيرك” الفرنسي، إلا أن مطالب نادي لييج بالحصول على مقابل مادي للتخلي عنه رغم انتهاء عقده حالت دون إتمام الصفقة.
ومع إصرار النادي البلجيكي على عدم السماح لبوسمان بالرحيل، رفع لاعب خط الوسط قضية لدى محكمة العدل الأوروبية، إذ استمرت القضية لمدة خمس سنوات مستعينًا بخدمات المحامي “جان لويس دوبون”، ويُمكن القول إن بوسمان نفسه لم يكن يتوقع أن صراعه الطويل للانتقال إلى فريق فرنسي مغمور سيُغير تاريخ كرة القدم، القضية عُرفت فيما بعد باسم “حكم بوسمان”.
دكتاتورية الأندية على اللاعبين
قبل عام 1990 كانت انتقالات اللاعبين من أنديتهم إلى أندية أخرى أمراً في غاية الصعوبة، فإن إتمام عملية انتقال لاعب إلى نادٍ جديد كان يجب أن يكون هناك اتفاق بين ناديه القديم والنادي الجديد، وفي الواقع فإن الانتقالات في الأيام الحالية تتم بنفس الطريقة، لكن في السابق كان يحق للنادي القديم المُطالبة بالمال للتخلي عن لاعبه حتى وإن انتهى عقده.
القوانين في تلك الفترة كان تفرض قيودًا خاصة على اللاعبين الأجانب، فعلى سبيل المثال لم يكن بإمكان فريق إنجليزي يلعب في دوري الأبطال أن يُشرك أكثر من ثلاثة لاعبين أجانب في المباراة، بالإضافة إلى اثنين على مقاعد البدلاء، عرفت هذه القاعدة بقاعدة 3+2، إذ كان يُمكن شراء أي عدد من اللاعبين الأجانب، لكن لم يكن ممكنًا استدعاء أكثر من خمسة للمباراة الواحدة.
وبالعودة إلى قصة “بوسمان” فإن عدم السماح له بالانتقال إلى الفريق الفرنسي لم تكن مشكلة اللاعب الوحيدة، فقد تم تخفيض أجر اللاعب، كما تم إجباره على اللعب مع الفريق الاحتياطي وثم مع فريق الشباب.
“بوسمان” توجه لمحكمة العدل الأوروبية، وادعى أنه كمواطن أوروبي يجب أن يتمتع بحرية التنقل بين دول الاتحاد الأوروبي للبحث عن عمل، وطالب بتغيير نظام الانتقالات المعتمد في ذلك الوقت ليُسمح لـ اللاعبين المنتهية عقودهم بالانتقال إلى أندية أخرى.
وفي 15 ديسمبر من عام 1995 أقرت المحكمة حكمًا لصالح بوسمان وتكّون القرار من نقطتين أساسيتين:
1- لم يعد مسموحًا أن تطلب الأندية مقابلًا ماليًا للتخلي عن لاعبيها المنتهية عقودهم، والراغبين بالانتقال إلى نادٍ آخر يتبع لدولة تحت لواء الاتحاد الأوروبي، كما تم منح اللاعبين الحق في التفاوض مع أي نادي قبل ستة أشهر أو أقل على نهاية عقدهم مع ناديهم القديم.
2- أصبح بإمكان الأندية الأوروبية الاعتماد على عدد لا محدود من اللاعبين المنتمين لدول الاتحاد الأوروبي.
قانون بوسمان تطرق لنقطتين مهمتين، النقطة الأولى هي تمكين اللاعبين من التفاوض مع أي نادٍ أرادوه قبل ستة أشهر من انتهاء عقودهم ودون الرجوع للنادي الذين يلعبون له. أي أن العلاقة التي تربط اللاعب بناديه هي العقد فقط،، وفور انتهائه فإن النادي لا يستطيع التحكم في اللاعب كما كان في السابق، وهي نقطة مهمة جدا حيث أصبحنا نرى لاعبيين نجوم أمثال ميسي وكيليان إمبابي وغيرهم، إمكانية التفاوض مع أندية جديدة دون الرجوع إلى إدارة النادي، وهذا ماشاهدناه في الميركاتو الحالي، عندما تعاقد مدافع ريال مدريد “سيرجيو راموس” مع نادي باريس سان جيرمان الفرنسي بعد انتهاء عقده مع الريال.
أما النقطة الثانية فهي تغيير مفهوم اللاعبين الأجانب في الكرة الأوروبية، إذ أن اللاعبين المنتمين للاتحاد الأوروبي يستطيعون اللعب في أي فريق أوروبي مُنتميٍ للاتحاد الأوروبي دون أن يُعتبروا أجانبًا، فيما تم تحديد عدد اللاعبين غير المتوفرين على الجنسية الأوروبية في كل فريق لأربعة لاعبين.
وعندها خرج السير “أليكس فيرغسون” بتصريحه الشهير عندما حرم من إشراك حارس مرمى مانشستر يونايتد أمام برشلونة في دوري الأبطال، مما أدى الى الخسارة برباعية قاسية.
ماذا تغير منذ ذلك الوقت؟
منذ أن حصل بوسمان على حكم لصالحه من المحكمة، تغير ميزان القوى بين الأندية واللاعبين لمصلحة اللاعبين، وأصبح بإمكان اللاعب المنتهي عقده مُغادرة ناديه بشكلٍ حر ودون أي تكاليف مادية، وهو ما سمح للأندية بإبرام صفقات دون صرف حتى يورو واحد.
الأندية الصغيرة استفادت كذلك من القرار، فلم يعد مبلغ الصفقة يُشكل عائقًا أمامها، لكن الأندية الكبيرة استحوذت على النسبة الأكبر من الصفقات الأفضل، وأصبحت فيما بعد هذه الصفقات ساحة صراع بين تلك الأندية.
اللاعبون وبالإضافة إلى منحهم حرية اتخاذ القرار فيما يخص مستقبلهم، أصبح بإمكانهم الاستفادة من عقودٍ طويلة الأمد، ورواتب سنوية مرتفعة بعد توفير رسوم الانتقال على خزينة ناديهم الجديد.
سلبيات قانون بوسمان
ارتفاع قيمة الصفقات والرواتب التي يُطالب بها اللاعبون جعل مجموعة من الأندية، خاصة المتوسطة منها، تقع في المديونية من أجل الحفاظ على أفضل لاعبيها وضمان التنافسية الرياضية، وبعد ارتفاع المداخيل لأندية كرة القدم بعد قانون بوسمان جعل البنوك تقدم لهم قروضًا كبيرة، كونهم يتوفرون على الضمانات الكافية لذلك، لكن ذلك تسبب في أزمات كبيرة في بعض الأندية المتوسطة التي حاولت المضي قدمًا مستغلة النظام المالي الجديد، لكنها وقعت في كوارث كبيرة، ومن الأمثلة لاتسيو الذي أفلس وفالنسيا الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس سوى أمثلة على ذلك.
قبل قانون بوسمان، كانت الأندية مُجبرة على الاعتماد على المنتوج المحلي من اللاعبين كونها لم تكن قادرة على استقطاب سوى عدد قليل من اللاعبين الذين لا يحملون جنسية البلد الذي تُمثله.
في تلك الظروف، كانت المواهب الصاعدة من مدارس التكوين تحصل على فرصتها الكاملة، وهو أمر لم يعد مُمكنًا مع حصول الفرق على إمكانية التعاقد مع أفضل اللاعبين من مختلف الجنسيات الأوروبية.
الإنتر مثلًا كان في وقت من الأوقات لا يضم في تشكيله الأساسي أي لاعب إيطالي، نفس الأمر ينطبق على تشيلسي، وقبل ذلك على ريال مدريد الذي ضم عددًا كبيرًا من النجوم وقلة قليلة من اللاعبين الإسبان.
ففي الوقت الذي أصبح فيه الدوري الإنجليزي والإسباني الأكثر قوة في أوروبا، تراجعت بشكل ملحوظ دوريات أخرى مثل الدوري الهولندي، الفرنسي أو حتى الإيطالي الذي تربع طويلًا على عرش الكرة الأوروبية، وذلك بسبب تدفق كميات كبيرة من المال في دوريات دون الأخرى.
أما بالنسبة للأندية، فأفضل مثال يُمكن ضربه هو نادي “أياكس أمستردام” الذي فاز سنة 1995 بدوري أبطال أوروبا، قبل أن يجد نفسه تحت رحمة قانون بوسمان الذي تسبب في رحيل كل لاعبيه الجيدين لأندية أكبر.
قانون بوسمان حدّ كثيرًا من القدرة التنافسية لأندية الوسط، وأصبحت الأندية الغنية في مهمة سهلة في دوريات مثل النرويج الذي حاز روزنبورغ على لقبه في 13 مناسبة متتالية، أو الدوري اليوناني الذي فاز به أولمبياكوس في 17 من أصل آخر 19 موسمًا.
كل ذلك ناهيك عن زحف كل اللاعبين الجيدين نحو عدد قليل من الأندية، وبحسب تصنيف أحد المواقع الشهيرة، 24 من أصل أفضل 40 لاعبًا في العالم يتواجدون في ثلاثة أندية فقط وهم ريال مدريد، برشلونة وبايرن ميونيخ وهم أغنى الأندية في العالم بكل تأكيد.
تعليقات
إرسال تعليق